أنطونيو رزق
نداء الوطن
حمل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرمزي باسترجاع تسمية "وزارة الحرب" بدل "وزارة الدفاع" في طيّاته معاني ودلالات عدّة، أهمّها كما أوضح الرئيس الجمهوري أن أميركا لن تكون في وضعية دفاعية دائمًا، بل إنّ تفوّقها الاقتصادي والعسكري على منافسيها ورغبة هؤلاء في إطاحة النظام الدولي الذي أرساه الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، يسمحان لها باتخاذ وضعية هجومية لحماية مصالحها ومصالح حلفائها. فإدارة ترامب اعتمدت منذ عودة الأخير إلى البيت الأبيض شعار "السلام من خلال القوّة" كسياسة عامة على الساحة الدولية، فيما يترقب العالم نتيجة التصعيد الأخير بين واشنطن وكاراكاس الذي يُنذر بإمكانية اندلاع مواجهة مفتوحة بين الطرفين قد تفضي إلى سقوط رمز جديد من رموز ما يُعرف بـ "محور الممانعة"، الرئيس الفنزويلي غير الشرعي نيكولاس مادورو.
يعود التوتر بين ترامب ومادورو إلى إدارة ترامب الأولى، التي كانت سياستها العلنية تقضي بعدم الاعتراف بشرعية مادورو، الذي زوّر انتخابات العام 2018، والعمل على تغيير النظام في فنزويلا عبر محاصرة كاراكاس من خلال العقوبات الاقتصادية ودعم المعارض الفنزويلي الأبرز آنذاك خوان غوايدو. لم تنجح سياسة ترامب حينها بإطاحة الدكتاتور الفنزويلي، إلّا أن الأسباب الرئيسية وراء السعي إلى التخلّص منه كانت لا تزال موجودة عند عودة ترامب إلى المكتب البيضوي هذا العام، فمادورو مقرّب من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وسمح خصوصًا لبكين بالتمتع بنفوذ كبير على أكثر من صعيد في بلاده الواقعة في حديقة أميركا الخلفية، بحيث تُعدّ الصين أكثر دولة تصدّر أسلحة إلى فنزويلا، فضلًا عن تغلغلها في البنى الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من خلال صفقات وعقود ضخمة مع النظام الاشتراكي الفاسد في كاراكاس.
لذا، انطلاقًا من "مبدأ مونرو" الذي يقضي بعدم سماح أميركا لأي دولة بتهديد سيطرتها على النصف الغربي من الكرة الأرضية الذي تعتبره ضمن دائرة نفوذها، يعود ترامب اليوم إلى تفعيل حملته على مادورو، إذ رفض الاعتراف بشرعية الأخير، الذي زوّر بوقاحة غير مسبوقة الانتخابات الرئاسية العام الماضي التي فاز فيها إدموندو غونزاليس، المدعوم من المعارِضة الأبرز لمادورو، ماريا كورينا ماتشادو، التي مُنعت من خوض المعركة. واتهم ترامب، مادورو، بإدارة عصابة المخدّرات "ترين دي أراغوا" التي يصنفها تنظيمًا إرهابيًا، كما ضاعف الشهر الماضي قيمة المكافأة مقابل أي معلومات تؤدّي إلى اعتقال مادورو إلى 50 مليون دولار. ونشرت واشنطن عدّة سفن وغواصة نووية وطائرات استطلاع وآلاف الجنود في البحر الكاريبي والمياه المقابلة لسواحل فنزويلا، في وقت شنّ فيه الجيش الأميركي الثلثاء الماضي غارة استهدفت سفينة من فنزويلا كانت تحمل مواد مخدّرة.
ومن المقرّر وصول 10 مقاتلات من طراز "أف 35" إلى بورتوريكو بحلول أواخر هذا الأسبوع، بعدما حلّقت مقاتلتان فنزويليتان فوق سفينة حربية تابعة للبحرية الأميركية الخميس الماضي، الأمر الذي اعتبرته وزارة الحرب الأميركية خطوة "استفزازية للغاية" من قِبل "العصابة التي تدير فنزويلا". وحذر ترامب من أنه إذا شكّلت المقاتلات الفنزويلية تهديدًا للقوات الأميركية أو "وضعتنا في موقف خطر، فسيجري إسقاطها"، بينما أفادت شبكة "سي أن أن" يوم الجمعة الماضي بأن ترامب يدرس خيارات لتنفيذ ضربات عسكرية تستهدف عصابات مخدّرات تنشط في فنزويلا، منها ضربات محتملة داخل البلاد.
في المقابل، ادّعى مادورو حشد أكثر من أربعة ملايين عنصر من "الميليشيا الوطنية البوليفارية" ردًا على الحشود الأميركية في المنطقة، واتهم واشنطن بـ "السعي إلى تغيير النظام من خلال التهديد العسكري"، لكنه أبقى الباب مفتوحًا أمام تسوية محتملة تقيه احتمال خوض حرب غير متكافئة مع "العم سام"، إذ أكّد يوم الجمعة الماضي أن "فنزويلا مستعدّة دائمًا للحوار، لكننا نطالب بالاحترام"، مشدّدًا على أن "لا شيء من خلافاتنا يبرّر صراعًا عسكريًا واسع التأثير في أميركا الجنوبية". كما حاول توجيه اللوم في تأجيج التوتر بين بلاده وأميركا إلى وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي ماركو روبيو، الذي أفادت تقارير صحافية بأنه المحرّك الرئيسي لسياسة ترامب الصارمة تجاه فنزويلا، بحيث قال مادورو مخاطبًا ترامب: "انتبه، لأن السيّد روبيو يريد أن يلطّخ يديك بالدم".
ليس مستبعدًا أن يُقدّم مادورو بعض التنازلات التي قد تجنّبه مزيدًا من التصعيد مع واشنطن، فسبق أن وافق على صفقة تبادل سجناء في تموز الماضي، أفرج بموجبها عن جميع الأميركيين الـ 10 المحتجزين لديه، في حين أصدرت الخزانة الأميركية الشهر الماضي تفويضًا مقيّدًا لشركة "شيفرون"، أحد الشركاء الرئيسيين لشركة النفط الفنزويلية الحكومية، يسمح لها بالعمل في فنزويلا وتصدير نفطها، بعدما كانت إدارة ترامب قد منعتها من ذلك سابقًا، الأمر الذي أدّى إلى بلوغ صادرات النفط الفنزويلية الشهر الماضي أعلى مستوى لها منذ تشرين الثاني الماضي، حسب وكالة "رويترز".
ولكن، يشي حجم الحشود العسكرية الأميركية قرب فنزويلا بأن المطلوب من مادورو تقديم تنازلات جدّية، تبدأ بمحاربة كارتلات المخدّرات التي تستخدم فنزويلا كممرّ ومقرّ ومنطلق للتهريب في اتجاه أميركا، ولا تنتهي بوضع حدّ للنفوذ الصيني في البلاد، وهي خطوات من الصعب أن يتمكّن مادورو من تحقيقها، إذ إن نظامه الخاضع للعقوبات والفاقد للشرعية الشعبية والذي ينخره الفساد، أضحى معوّلًا على النشاطات غير المشروعة والدعم الذي يتلقّاه من حلفائه لاستمرار سطوته وقمعه الشعب الفنزويلي.
نفى ترامب أخيرًا وجود مخطّطات لتغيير النظام في كاراكاس، ما يمكن اعتباره إشارة إلى اعتقاد الرئيس الأميركي أن الضغوط المختلفة التي يمارسها على مادورو ستدفع الأخير في النهاية إلى الخضوع للشروط الأميركية، غير أنه في حال فشل رهان ترامب على عقلانية مادورو وقدرته على تنفيذ المطلوب منه، قد تلجأ واشنطن إلى دعم المعارضة الفنزويلية سياسيًا وماليًا وحتى عسكريًا إذا اقتضى الأمر، لكن من المستبعد أن تحاول تغيير النظام عبر تدخّل عسكريّ برّي مباشر في فنزويلا، إذ إنّ ذلك قد يجرّها إلى حرب استنزاف طويلة على غرار ما حصل في أفغانستان والعراق مثلًا، الأمر الذي سيحاول ترامب تجنّبه إلى أقصى حدّ.
يعود التوتر بين ترامب ومادورو إلى إدارة ترامب الأولى، التي كانت سياستها العلنية تقضي بعدم الاعتراف بشرعية مادورو، الذي زوّر انتخابات العام 2018، والعمل على تغيير النظام في فنزويلا عبر محاصرة كاراكاس من خلال العقوبات الاقتصادية ودعم المعارض الفنزويلي الأبرز آنذاك خوان غوايدو. لم تنجح سياسة ترامب حينها بإطاحة الدكتاتور الفنزويلي، إلّا أن الأسباب الرئيسية وراء السعي إلى التخلّص منه كانت لا تزال موجودة عند عودة ترامب إلى المكتب البيضوي هذا العام، فمادورو مقرّب من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وسمح خصوصًا لبكين بالتمتع بنفوذ كبير على أكثر من صعيد في بلاده الواقعة في حديقة أميركا الخلفية، بحيث تُعدّ الصين أكثر دولة تصدّر أسلحة إلى فنزويلا، فضلًا عن تغلغلها في البنى الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من خلال صفقات وعقود ضخمة مع النظام الاشتراكي الفاسد في كاراكاس.
لذا، انطلاقًا من "مبدأ مونرو" الذي يقضي بعدم سماح أميركا لأي دولة بتهديد سيطرتها على النصف الغربي من الكرة الأرضية الذي تعتبره ضمن دائرة نفوذها، يعود ترامب اليوم إلى تفعيل حملته على مادورو، إذ رفض الاعتراف بشرعية الأخير، الذي زوّر بوقاحة غير مسبوقة الانتخابات الرئاسية العام الماضي التي فاز فيها إدموندو غونزاليس، المدعوم من المعارِضة الأبرز لمادورو، ماريا كورينا ماتشادو، التي مُنعت من خوض المعركة. واتهم ترامب، مادورو، بإدارة عصابة المخدّرات "ترين دي أراغوا" التي يصنفها تنظيمًا إرهابيًا، كما ضاعف الشهر الماضي قيمة المكافأة مقابل أي معلومات تؤدّي إلى اعتقال مادورو إلى 50 مليون دولار. ونشرت واشنطن عدّة سفن وغواصة نووية وطائرات استطلاع وآلاف الجنود في البحر الكاريبي والمياه المقابلة لسواحل فنزويلا، في وقت شنّ فيه الجيش الأميركي الثلثاء الماضي غارة استهدفت سفينة من فنزويلا كانت تحمل مواد مخدّرة.
ومن المقرّر وصول 10 مقاتلات من طراز "أف 35" إلى بورتوريكو بحلول أواخر هذا الأسبوع، بعدما حلّقت مقاتلتان فنزويليتان فوق سفينة حربية تابعة للبحرية الأميركية الخميس الماضي، الأمر الذي اعتبرته وزارة الحرب الأميركية خطوة "استفزازية للغاية" من قِبل "العصابة التي تدير فنزويلا". وحذر ترامب من أنه إذا شكّلت المقاتلات الفنزويلية تهديدًا للقوات الأميركية أو "وضعتنا في موقف خطر، فسيجري إسقاطها"، بينما أفادت شبكة "سي أن أن" يوم الجمعة الماضي بأن ترامب يدرس خيارات لتنفيذ ضربات عسكرية تستهدف عصابات مخدّرات تنشط في فنزويلا، منها ضربات محتملة داخل البلاد.
في المقابل، ادّعى مادورو حشد أكثر من أربعة ملايين عنصر من "الميليشيا الوطنية البوليفارية" ردًا على الحشود الأميركية في المنطقة، واتهم واشنطن بـ "السعي إلى تغيير النظام من خلال التهديد العسكري"، لكنه أبقى الباب مفتوحًا أمام تسوية محتملة تقيه احتمال خوض حرب غير متكافئة مع "العم سام"، إذ أكّد يوم الجمعة الماضي أن "فنزويلا مستعدّة دائمًا للحوار، لكننا نطالب بالاحترام"، مشدّدًا على أن "لا شيء من خلافاتنا يبرّر صراعًا عسكريًا واسع التأثير في أميركا الجنوبية". كما حاول توجيه اللوم في تأجيج التوتر بين بلاده وأميركا إلى وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي ماركو روبيو، الذي أفادت تقارير صحافية بأنه المحرّك الرئيسي لسياسة ترامب الصارمة تجاه فنزويلا، بحيث قال مادورو مخاطبًا ترامب: "انتبه، لأن السيّد روبيو يريد أن يلطّخ يديك بالدم".
ليس مستبعدًا أن يُقدّم مادورو بعض التنازلات التي قد تجنّبه مزيدًا من التصعيد مع واشنطن، فسبق أن وافق على صفقة تبادل سجناء في تموز الماضي، أفرج بموجبها عن جميع الأميركيين الـ 10 المحتجزين لديه، في حين أصدرت الخزانة الأميركية الشهر الماضي تفويضًا مقيّدًا لشركة "شيفرون"، أحد الشركاء الرئيسيين لشركة النفط الفنزويلية الحكومية، يسمح لها بالعمل في فنزويلا وتصدير نفطها، بعدما كانت إدارة ترامب قد منعتها من ذلك سابقًا، الأمر الذي أدّى إلى بلوغ صادرات النفط الفنزويلية الشهر الماضي أعلى مستوى لها منذ تشرين الثاني الماضي، حسب وكالة "رويترز".
ولكن، يشي حجم الحشود العسكرية الأميركية قرب فنزويلا بأن المطلوب من مادورو تقديم تنازلات جدّية، تبدأ بمحاربة كارتلات المخدّرات التي تستخدم فنزويلا كممرّ ومقرّ ومنطلق للتهريب في اتجاه أميركا، ولا تنتهي بوضع حدّ للنفوذ الصيني في البلاد، وهي خطوات من الصعب أن يتمكّن مادورو من تحقيقها، إذ إن نظامه الخاضع للعقوبات والفاقد للشرعية الشعبية والذي ينخره الفساد، أضحى معوّلًا على النشاطات غير المشروعة والدعم الذي يتلقّاه من حلفائه لاستمرار سطوته وقمعه الشعب الفنزويلي.
نفى ترامب أخيرًا وجود مخطّطات لتغيير النظام في كاراكاس، ما يمكن اعتباره إشارة إلى اعتقاد الرئيس الأميركي أن الضغوط المختلفة التي يمارسها على مادورو ستدفع الأخير في النهاية إلى الخضوع للشروط الأميركية، غير أنه في حال فشل رهان ترامب على عقلانية مادورو وقدرته على تنفيذ المطلوب منه، قد تلجأ واشنطن إلى دعم المعارضة الفنزويلية سياسيًا وماليًا وحتى عسكريًا إذا اقتضى الأمر، لكن من المستبعد أن تحاول تغيير النظام عبر تدخّل عسكريّ برّي مباشر في فنزويلا، إذ إنّ ذلك قد يجرّها إلى حرب استنزاف طويلة على غرار ما حصل في أفغانستان والعراق مثلًا، الأمر الذي سيحاول ترامب تجنّبه إلى أقصى حدّ.